السبت، سبتمبر 25، 2010

اليوم الأخـيـر


لم أكن أعلم يوما ما بأن للموت علامات فارقة,,

كل ما أعرفه عن الموت ,,هو أنه الموت فقط

على قدرمحبتي وشغفي الشديدين للإلمام بكل جوانب وعلوم الحياة قرأت في الكثير والعديد من المواضيع
الا موضوع واحد

لم أتطرق له على الرغم من إيماني الشديد بوجوده ,, وبحدوثه في يوماً ما

وهو الموت

وغالباً ما أشعر أنه لابد للتحضير لتلك اللحظة

ولم أتوقع أبدا أن أفقد أحد بالموت,, وكأني كنت مؤمنة بأن يومي قبل أي حبيب على قلبي لربما كان هذا الايمان هو خوفا من فقد أحدهم

أربعين يوماً تهذي أياماً,, وتصحو أياماً أُخر,,

أربعين يوماً ويوماً تلو الاخر,, يزداد الوهن والضعف العام,,

أربعين يوماً تسأل عن أشخاص هم أحبة لقلبك,, تفتقدهم,,

وعشرة أيام من العجز عن الحراك,, عن الحديث,, عن الوعي عمّا حولك

عشرة أيام يطلب منك هذا الطبيب وذاك أن تكون مع أهلك,, وانت تصّر على إخبارهم بمدى تعبك,,وألمك,,

عشرة أيام والطبيب يعلم أن ما يلم بك ما هو الا داءٌ ذكره صلى الله عليه وسلم لا دواء له,,

عشرة أيام ونحن نمتر تلك الممرات الانيقة طول الليالي لنكون حولك فالبقاء في المنزل موحش,, مظلم,, كئيب دونك

عشرة أيام والطبيب يرمقنا وقت الدخول والخروج هو وطاقمه,, دون أن يجرأ أحدهم أن يخبرنا بإحدى تلك العلامات

عشرة أيام يرقبون أيامنا الاخيرة معه,, وكأننا نعلم ذلك,, وهم لا يعلمون أنه أول فقيد لنا,, أول شخص يكون له ذلك اللقب,,وذلك الدعاء

عشرة أيام يوما تلو الاخر نرتقب خروجه الي المنزل سليماً معافى

عشرة أيام هي الاخيرة من رمضان لم نعرف لها طعماً دون وجودك حولنا

عشرة أيام تنقص يومين هي الصحوة التي قيل عنها أنها صحوة الميت,,

عشرة أيام تخللتها عدة مرات توقف للقلب,, وإنعاش قلبي أليم بصدمات كهربائية

يكتمل رمضان الي اليوم الثلاثين,,الي يوم التمام للشهر العظيم

ولم أرى تلك الصحوة الا معافةً من تلك الابر التي كانت تخترق بشرة يديك الرقيقة حتى باتت كالكدمات تغطي كفيك والاذرع
ولم أرى تلك الصحوة الا بصيص الامل لرؤيتك في يوم زواجي,, ولتكون لك صورة معي في ذلك اليوم
تلك الصحوة كانت مريحة للجميع بأن نراك أمامنا تتحسن حالتك

على الرغم من بعدي عن المطبخ الا أني دخلت اليه في يومك الاخير ,, لأحضر لك آخـر طبق أحببته,, ولم تأكل ذلك اليوم الا منه

كانت أخر لقيمات تآكلها بحياتك بيدي تتناولها,, وعلى الاخرى تستند كطفل لا تقوى على البقاء مستقيما دون أن أسندك

أتحضر ولأول مرة في حياتي,, وحياتك,, أن أحممك,, تحضراً لصباح العيد,,

فغدا هو صباح العيد,, ياله من يوم سعيد أن أراك تتحسن وأن أقول لك عيدك مباركـ,, غـــــداً

غـــداً,,
ذلك الشئ المجهول الذي لا يعلمه الا إنت إالهي

أذهب مسرعة لشراء أغراض جديدة للإستحمام,,

وأعود,, لألحظ أموراً غريبه,,

السرير خالي ,, أين أنت,,؟؟
مرة أخرى ككل مرة يضيق التنفس وتآخذ حوالي الثلاث ساعات وتعود أفضل حال,,!!

المكالمة الاولى:
أبوي تعبان,,أدعو له,,
اش به,,؟
أكلمك شوي,,

ومازلتُ على سريرك انتظر

عشرة دقائق والمكالمة الثانية التي لم يستطيع فيها أن يتماسك,,
لا يعيش دون إنعاش قلبي طوال حياته,,!!
طريقة لتمهيد خبر,, كما كنا نمهد له وفاة أحد أخوانه وأصحابه بأنهم في العناية المركزة

رفضي للفكرة وإيماني التام بأن أراك في أيام العيد,,
وتحسن حالك الملحوظ اليوم يؤكد استحالة حدوث ذلك التوقف القلبي اليوم
والتي لم تكن الا صحوة ميت



صدمـة,,
ليلة عيد,, ويكون صباح ذلك العيد بارداً كئيباً
إمتلاء بالدموع والحزن عوضا عن فرحة العيد وإبتسامته
تضخم البيت بالأهل والاحبة للتعزية بدلا من التهنئة
العيد الاول في حياتي الذي لم يسعفنا فيه الوقت لشراء الحلويات والهدايا
فالعليم القدير قدر ذلك رأفة بنا من أن تكون الحلويات والهدايا حولنا ونحن في قمة حزننا


إدارة التجهيز:
لطالما تحمست لركوب سيارة أتمنى إمتلاكها يوما ما,,
وطالما تخيلت فرحتي يوم ركوبها,,
ولم أعلم أن أول يوم في حياتي أركبها هو يوم رؤيتي الاخيرة لك,,
في ذلك المكان الذي إختاروا له إسما أرقى وأفضل لأهل الفقيد,,
أصعد السيارة بكل حزن,,
بدموعٍ منتاثرة تجري كنهر جاري منسكب من أعلى جبل
سرعة السيارة ,, او خلو الطريق,, أو خوفي من رؤيتك بهذا الحال
وصلنا بسرعة الي تلك الادارة,,
,,إدارة التجهيز,,
أنزل من السيارة ترتجف قدميّ ولا تحملني ركبتي,,
أدخل الي تلك الادارة,, يمتلئ المدخل برجال بيض الثياب وبأشمغ تخلو من السواد,,
فقد أختفى العقال عن رؤوسهم,, إنهم أهلى وأقاربي
أدخل الي غرفة صغيرة مستطيلة,,
رداء أخضر اللون يبطنه رداء أبيض يلف جسدك النحيل ويلتف حول وجهك,,
ولم أرى منه سوى جبينك الي طرف أنفك
رائحة المسك والعنبر وأشياء أخر تفوح حولك
قبلة أخيرة أودعك بها
أضعها على جبينك الراوي,,
ووجهك الذي تعلوه الراحة,,
فاليوم في هذا المكان وجهك أفضل من يوم أمس
بعدها
الي المسجد النبوي,,
بإنتظار صلاة الجمعة يوم العيد,,
ولأول مرة أنتظر صلاة الميت لأجل أن أدعو لك

تنهار قواى بعد الصلاة فلا تحملني قدماي ,, ولا نفسيتي

أشعر أني تدمرت






هناك تعليق واحد:

  1. حسبتك تكتبين عني ..

    منذ عرفتك أدركت بأن هناك الكثير مما يجمعنا .. حتى الموت في أغلى حبيب.

    بعد اليوم الاخير لاادري هل أهنئك ام اعزيك .. أجمل الايام لخاتمة تبشر بأروع فوز .. جعله الله في عليين وجمعكم معه في أعلى جناته.

    ردحذف